الحذاء الغني والحذاء الفقير

يوسف ازرارن

ملاحظة: تمت كتابة جميع مشاهد هذه القصة قبل أزمة الكورونا. حافظ على حذاءك جميلا بالبقاء في المنزل، وإن اضطررت للخروج، فاتركهُ عند عتبة الباب عند العودة.

كُنتُ قد تجادلت وصديقي مروان طويلا حول جدوى شراء حذاء باهظ من عند « تيمبرلاند »، أجابني بأن إجتماعاته المهمة في العمل تحتّم عليه ذلك، حتى لو كان سعر الحذاء يقارب أجر عامل بسيط.
ما إن فُتح باب الميترو في محطة « الحراش »، حتى تسابقنا كي نظفر بمقعد لكلينا. وضعت السماعة في أذني مُشغلا الهاتف، ورحت أتأمل أحوال الجالسين حولي في مقطورة الميترو، كل إنسان هنا، من دون شك، يُقاتل في معركة ما في هذه الحياة. في المقعد المقابل كان يجلس رجُل في الخمسينات بصحبة ابنته التي تصغرنا سنا بقليل، كان جليا للأبصار بأنه رجل بسيط قصيرُ ذات اليد، يحمل في يده جريدة باللغة الفرنسية يُقلّب صفحاتها، في حين كانت تحمل ابنته حقيبة مُغلفة بكيسٍ بلاستيكي تضمها إليها بيديها الإثنتين كأنها فتاة صغيرة تضم دُميتها الثمينة بكل براءة.
في محطة « الحامة » المكتظة بالمسافرين، صعدت إمرأة مع رضيعها للمقطورة، فما كان مني إلا أن أسبق الآخرين للأجر وأنهض من مقعدي كي أتركها تجلس. فوجدت نفسي أستند عمودا بجوار ذلك الرجل وابنته… كانت تتأمل في الحذاء الأنيق الذي يرتديه صديقي من متجر « تيمبرلاند »، ثم تتوقف لبرهة كي تتأمل حذاءها البسيط محرّكة إياه يمينا وشمالا. كرَّرَتِ الأمر ثلاث مرات، ثم وجهت نظرها صوب حذاء والدها.
– « صباطك شباب » قالت له
راح يتأمل فيه قليلا ثم قال:
– إيه بصح شريتو غالي.
– غالي بزاف؟ سألته.
– غالي…

كان الوالد منهمكا بقراءة الجريدة، ولم يكن الحديث عن الحذاء مهما بالنسبة إليه، أراد أن يُنهي ذلك الحديث كي يعود لقراءة الأخبار، دون أن يُعطيها سعرا محدّدا لحذاءه. لكنّها أصرت أن تعرف سعره، لعلّها تظفر بمثله في يوم من الأيام.
– شحال ميتين ألف؟
– قريب، ما نقولك 150 ما نقولك 180 ألف.
– آه صح بزاف غالي، بصح شباب، ردت عليه، قبل أن تتمعن في حذاءها مرة أخرى، وفي حذاء صديقي، ثم تصمت.

سرعان ما بلغنا محطة « أول ماي » وغادرنا الميترو، رويت القصة لمروان.
– « كون عرفت كون مديتهولها »، أجابني بحسرة.
 

لا داع لذلك يا صديقي، فرداء العفة الذي كانوا يرتدونه، كان أكثر أناقة من كل « موضة » ميلانو وباريس، ولو استبدلناهم رداءهم ذاك بكل أموال العالم، لما قبلوا ! حين أتأملهم يُخيّل لي بأنني أسمع صدى كلمات جُبران وهو يُخاطب صديقه أمين الغريب في رسالاته « لستُ مُستبدلا أحزان قلبي بأفراح العالم كلّه ». لكن رغم ذلك، أملي يبقى كبيرا في عالم أفضل وأكثر عدلا، لا يرى الناس فيه أُجرتهم الشهرية مُختزلة في سعر حذاء يُداس به التُراب.