أول طبعة لمعرض البليدة للكتاب
اليمين بن سليماني
« قرّاء النهضة » مجموعة شباب من البُلَيدة، تأسّست أواخر سنة 2017 تحت هدف أساسي هو » ترسيخ القراءة كسلوكٍ في المجتمع ».
لنا عدة نشاطات منها ملتقى القرّاء المتمثل في جلسة نقاش كتاب أسبوعياً، وصالون قراء النهضة وهو تظاهرة سنوية يتم فيها استضافة كتّاب وأدباء عالميين على غرار د.أحمد خيري العمري ود.أيمن العتوم في جلسة نقاش بحضور القرّاء. « البليدة للكتاب » الطبعة الأولى، هو معرضٌ للكتاب في تجربة هي الأولى من نوعها للمجموعة، والأولى من نوعها في الولاية.
مهرجان الطماطم
قد تستغرب من المعلومة لكن فكرة المعرض لم تأتِ من مفهوم معرض الكتاب الذي نعرفه، وإنما من مهرجان الطماطم في إسبانيا.
عرفت معظم المجتمعات الإنسانية عبر التاريخ تظاهرات اجتماعية ذات أبعاد ثقافية، كمهرجان الطماطم في إسبانيا، يوم الفراولة في سكيكدة، « يوم الكرة » في جبال الشريعة في البليدة، مهرجان ريو وغيرها الكثير من التظاهرات السنوية في العالم، حيث تكون بمثابة لقاء يجمع فئة من الناس يجمعهم رابط هوياتي مشترك وإنتماء (ثقافي، عرقي، لغوي، ديني… إلخ).
القراءة والكتب أعطت انتماء ومكون هويّة جزئي للقارئ بحيث يشكل مجموع القراء مجتمعاً، ويكون معرض الكتاب بمنزلة مهرجان اجتماعي ثقافي لهذا الأخير، حيث يعزز الانتماء لهذا المجتمع كما يقوي مكونات هذا الانتماء في الفرد، ومن هنا أتت فكرة البليدة للكتاب على أن تكون تظاهرة سنوية في الولاية.
معارض الكتاب كما نعرفها هي تجمعٌ كبير لباعة الكتب، دور نشر أو وكلاء عنهم، أين يتمثل الفرق بين هذا التصور وبين فكرة معرض « البليدة للكتاب ».
تتشكل هيكلة المعرض من شقين أساسيين: الكُتب والنشاطات، بحيث يكون للكتاب دور أساسي لكن مناصفة مع النشاطات المرافقة، بحيث يشكل مجموعهما بيئة متكاملة تحتوي القارئ، الكتب للقراءة، والنشاطات كحيز لتجسيد فعل القراءة في مناقشات فكرية وأدبيّة وأعمال اجتماعيّة أساسها القراءة والكتب، على غرار مجلّة « مادبراس » و »منصة النقطة الزرقاء » و »قراء النهضة ». وهذا هو الفرق بين المعرَضَين كفكرة وتصوّر.
أقيمَ المعرض في جامعة سعد دحلب بالاشتراك مع تنظيم طلابي (منظمة اتحاد الطلبة) بمشاركة دور نشر ووكلاء وأندية ثقافيّة.
الجامعة منارة العلم؛ كما فيها أكبر تجمّع للقرّاء وللشّباب الذي يُعقد عليه مستقبل الأمّة وتتوفر فيه استعدادات القارئ الجيّد. من أجل هذا بالدرجة الأولى إضافة لاختيار متابعي صفحة قراء النهضة على الفايسبوك، أتى الاختيار على جامعة سعد دحلب، ومن أجل الجانب القانوني للأمر وضرورة اشراك مجموعات تنظيمية من الجامعة، إضافة لمِهنيتهم العالية، أتت الشراكة مع منظمة الاتحاد الطلابي الحرّ، الذين تولوا كل الترتيبات القانونية مع إدارة الجامعة وبامتياز تحت إشراف رئيس مكتبهم والذي هو عضو متميز فاعل في قراء النهضة « أحمد حمان ». في شقّ الكُتب ودور النشر حاولنا توفير أنواع الكتب قدر المستطاع ليجد كل القراء ضالّتهم، فدعونا دور نشر محلية موجهة للشباب والمبتدئين ك »الجزائر تقرأ » و »ضمّة »، وأخرى مختصّة في الجانب التربوي والدعوي متمثلة في « دار السلام المصريّة »، « دار الجمل »، « الشروق »، « الرافدين »، « العربية للعلوم ناشرون »، كتب « تكوين » النادرة في الجزائر، و »مركز دلائل » و »الشبكة العربية للعلوم »، كلها كانت حاضرة عن طريق وكلاء في الجزائر متمثلين في « زاجل كتب »، صفحة الكترونية لبيع الكتب وموزع في الجزائر، إضافة ل »دروملين » كدار نشر وموزع عن دور أجنبية.
رغم ذلك، فقد عانينا من مشكل كتب التخصص، حيث لا يخفى على ضليعٍ ندرة كتب التخصص خاصة التقنية منها والعلمية، وغلاء أسعارها في حال توفرها، وقد تستغربون ولكننا وجهنا الدعوة لأكثر من دار وعلى رأسهم « ديوان المطبوعات الجامعية »؛ وذهبت الدعوات أدراج تقاعس واستهتار مسؤوليهم خاصة وأنها مؤسسات حكومية وليست خاصة.
من ناحية الإقبال، كان فوق المتوقع، خاصة وأن المعرض كان على مدى العشرة أيام، والملاحظ هو الإقبال الكبير على الروايات وعلى الكتب رخيصة الثمن وعلى رأسهم كتب التنمية البشرية، قابله إقبال ضعيف جداً على كتب الفكر والفلسفة وعلم الاجتماع، والتي يفترض أن تكون أول قِبلة لكل قارئ، ولكن اضطررنا لإرجاع بعضها إلى الكراتين حفاظاً عليها من الغبار ولترك مكانها للكتب الأكثر طلباً، وأقصد هنا كتب التنمية البشرية.
للأسف كان عامل اختيار العناوين لعدد معتبر من الزوّار هو السعر بغض النظر عن المحتوى وأعزي هذا لأمرين: الأول هو الميزانية المحدودة للطلبة والثاني انخفاض نوعية القُراء في السنوات الأخيرة.
الكتب نصف المعرض والنشاطات نصفه الثاني، يتولى زمام الكتب دور النشر ويحمل لواء النشاطات الأندية الثقافية، إذ لبى الدعوة المجلة التي تقرأون كلماتي على صفحاتها « مادبراس » ليعرضوا على القراء والطلبة تجربتهم ويعرّفوا بمشروعهم العلمي الثقافي الذي يرسم بعداً آخر لما يمكن أن تكون عليه مشاريع الطالب الجزائري العلمية الثقافية تزامنا مع التزاماته الدراسيّة وتوجهات تخصّصه.
كما شاركت في الفعاليات « النقطة الزرقاء » وهي منصة الكترونية لمراجعات الكتب والمقالات المتنوعة المُجمَّع منها والمترجم على يدهم، شاركت في الفعاليات كمشروع جزائري شبانيّ واعدٍ يقدم الكثير في إثراء بيئة القراءة والقرّاء. وقد تداول نادي « لونيسي علي تقرأ » و »قراء النهضة » و »النقطة الزرقاء » تداولوا على تنظيم جلسات مناقشة مواضيع مختلفة خلال أيام المعرض، مناقشات شهدت إقبال كثير من الزوّار بدافع الفضول ثم البقاء بدافع الشغف والإعجاب، والجلي من تصريحات كثير منهم فرحهم الشديد كونهم لأول مرة في حياتهم يحضرون جلسة مناقشة موضوع أو كتاب، معلومة مفرحة ومؤسفة جداً في نفس الوقت، وبمجمل هذه الفعاليات إضافة لنقطة مهمة جداً تتمثل في تخصيص مناصب بيع الكتب لأعضاء « قراء النهضة » بعد إعداد جيّد منهم في ضبط بوصلة العلاقة بين بائع الكتب والقارئ على أولويّة شعور الزبون أنه قارئ يتعامل مع قارئ في ميدان القراءة وليس علاقة اقتصادية بين زبون وتاجر.
شكّلت هذه الفعاليات والأندية النصف الثاني من المعرض مع إلغاء أنشطة أخرى رئيسية على غرار « مناظرة » وبعض المحاضرات في كيفية إعداد مقال علمي، إعداد بطاقة كتاب… إلخ. تم إلغاء بعضها لأسباب إدارية وبعضها الآخر بسبب عدم إعطائها حقها في الإعداد والتنظيم بحيث كانت أكبر من قدرة الإنجاز في ظل ضغط المعرض.
لم يبلغ معرض البليدة للكتاب سبعين في المئة من الأهداف المسطرة لأسباب مختلفة كما ذكرت، وربما لكونه التجربة الأولى، ولكن رغم ذلك كان تجربة مثمرة ومفيدة جداً لأعضاء « قراء النهضة » ول « قراء النهضة » ولكل المشاركين وبالتالي لولاية البليدة وطلبتها بالدرجة الأولى، على أمل أن تكون طبعته الثانية أفخم وأفضل.