هل يهتم الطبيب بصحته مثلما يهتم بصحة المرضى؟ – ثلاث معلومات قد تجهلها حول الصحة النفسية للأطباء حول العالم
يوسف ازرارن
هل يمرض الأطباء بالرغم من أنهم أعلم من عامة الناس بوسائل الحماية والوقاية من الأمراض ؟ كيف تقترب الأمراض والأسقام من الطبيب بالرغم من أنه يعمل في المستشفى و يُمكنه الحصول على الأدوية بسهولة ؟ هي تساؤلات لا يطرحها الأطفال فقط، وإنما شغلت المهتمين بقطاع الصحة حول العالم طوال عقود، جعلتهم يقومون بعدة دراسات وإحصاءات حول صحة الأطباء الجسدية وخصوصا النفسية، نظرا لتأثيرها المباشر على أدائهم المهني ودقة تشخيصهم للأمراض. نجمع لكم أهم نقاطها في هذا المقال.
متوسط عمر الأطباء أقل بعشر سنوات عن متوسط أعمار السكان
في دراسة نشرها المعهد الهندي للطب* سنة 2018 ، أشارت الإحصائيات التي قام بها المعهد إلى أن متوسط أعمار الأطباء في الهند يتراوح بين 55 و 59 سنة، أي أقل بخمس عشرة سنة كاملة من متوسط عمر السكان الذي يتراوح بين 69 و 72 سنة. الدراسة أشارت كذلك إلى أن معظم الوفيات المبكرة سببها أمراض القلب والشرايين، الأمراض السرطانية والانتحار. وقد أعزى الدكتور ديليب ساردا، رئيس المعهد الذي قام بالدراسة، السبب الى نظام الحياة غير الصحي الذي يتبعه الأطباء، لخّصه في مجموعة من العوامل، منها الضغط النفسي الكبير طوال مدة التكوين وأثناء العمل، الإرهاق ونقص النوم أثناء المناوبات الليلية المتكررة، عدم انتظام مواعيد الوجبات والحمية غير الصحية، بالإضافة لعدم ممارسة الرياضة بشكل منتظم. وهو ما أكدته أرقام أخرى في الدراسة، حيث أشارت إلى أن الأطباء الذين تجاوزوا سنة الخامسة والستين، أي الذين كانوا يحظون بنظام حياة صحي ومتوازن مقارنة بزملائهم، يعيشون لأكثر من 75 سنة.
في الوطن العربي أشارت دراسة إحصائية في الأردن لنفس الأرقام، في حين أن دراسة أمريكية بينت أن متوسط أعمار الأطباء في الولايات المتحدة الأمريكية لا يختلف كثيرا عن متوسط عمر السكان، غير أن سبب الوفيات يتوافق مع الدراسات السابقة : السكتة القلبية، أمراض السرطان، والإنتحار مثلما سنبينه في النقطة الموالية للمقال.
نسبة الانتحار عند الأطباء وطلبة الطب ضعف نسبة الإنتحار عند عامة الناس
أشارت جمعية الطب النفسي الأمريكية في اجتماعها سنة 2018 ، إلى
إحصائيات مخيفة، حيث بينت دراسة قامت بها الجمعية أن هناك طبيبا
ينتحر يوميا في الولايات المتحدة الأمريكية، بنسبة تُساوي ضعفي نسبة
الانتحار عند عامة الناس. وقد وجد تقرير نشرته جمعية أطباء بريطانيا
وإيرلندا أن استخدام الأدوية والمواد السامة أكثر شيوعا عند الأطباء
المُقدمين على الانتحار، وذلك لسببين رئيسيين، سهولة الحصول على هذه
المواد ومعرفتهم بمفعولها.
وتختلف النسبة من اختصاص لآخر، حيث يُعدُّ أطباء العيون وأطباء
الجلد أقل عرضة للانتحار من زملائهم في التخصّصات الأخرى الذين
يجدون أنفسهم يوميا أمام قرارات تُحدد مصير المريض بالحياة أو الموت.
وتبقى متلازمة الاحتراق النفسي أولى أسباب الاكتئاب والانتحار عند
الأطباء، وهو ما سنطرق له في النقطة الموالية.
خمسون بالمئة من الأطباء في أمريكا يُعانون من الاحتراق النفسي
حسب إحصائيات أكاديمية الطب الوطنية، يعاني خمسون بالمئة من الأطباء الأمريكيين من الاحتراق النفسي، حيث يكون مصحوبا بالإجهاد وكذا عدة مشاكل نفسية أخرى كانعدام الثقة بالنفس.وبحسب مجلة سايكولوجي توداي فإن نوعية الرعاية الطبية للمرضى مُرتبطة ارتباطا وثيقا بصحة الأطباء النفسية لما لها من تأثير مباشر على أدائهم في المستشفيات، مما يعرّضهم لمُتابعات قضائية جراء سوء الخدمة الطبية.
دراسة أخرى أثبتت العلاقة المباشرة بين الإصابة بالاحتراق النفسي وارتفاع نسبة الأخطاء الطبية، ناهيك عن أثرها المباشر في إصابة مستخدمي الصحة، من أطباء وممرضين بالاكتئاب ومحاولة الانتحار. دراسة الأكاديمية الوطنية للطب أشارت إلى أن أصل المشكل يعود لسنوات التكوين، حيث ينصب الاهتمام الرئيسي لطلبة الطب على تطوير المعارف والمهارات الطبية مع إهمال الجانب النفسي كالوعي الذاتي وطرق التواصل مع الزملاء في العمل وكذا المرضى عند مصارحتهم بأمراض خطيرة. بالإضافة إلى ما يُسمّى بعقدة البطل، حيث أن التفوق الدائم للأطباء في فصولهم الدراسية منذ أن كانوا صغارا، تكون لهم ثقة عالية في النفس، لا تلبث أن تنعكس بالسلب عليهم عند التعب والإرهاق مما يُعرضهم لاتخاذ قرارات قد لا تكون صائبة.
المشوار الطويل للتكوين خلال سنوات الشباب مع إهمال الجانب الاجتماعي له بالغ الأثر كذلك عن تدهور الصحة النفسية عند سنة الأربعين، عندما يكتشفون أنهم قد قضوا كل تلك السنوات في خدمة وظيفتهم مع إهمال علاقاتهم الشخصية بعائلاتهم وأبنائهم وأصدقائهم.
أسباب متلازمة الإحتراق النفسي : وفقا للمركز الألماني للتوعية الصحية وهيئة صحة الرجال الألمانية فإن الأسباب المحتملة للاحتراق النفس هي :
- التداخل بين أوقات العمل وأوقات الراحة.
- شعور الموظف بأنه لا يستطيع الانتهاء من مهام عمله.
- شعور الموظف بأنه لا يمكنه التعامل مع ضغط الوقت.
- عدم أخذ فترة راحة في أوقات العمل.
نصائح للوقاية من الاحتراق النفسي من طرف هيئة الصحة الألمانية
- دراسة محيط العمل لاكتشاف الأسباب التي أدت لشعوره بضغط عصبي ومحاولة التخلص منها أو تغييره.
- تفادي العمل في أوقات الراحة والعطلات، بحيث لا ينبغي للموظف أن يتيح لُمديره وزملائه تلك الأوقات الثمينة التي تستعيد فيها نفسيته راحتها. ويكون ذلك بتحديد أوقات محددة للاتصال.
- القيام بأنشطة اجتماعية في أوقات الفراغ عوض الجلوس في المنزل لساعات طوال، كالدخول في نادي ثقافي أو جمعية.
- مغادرة مكان العمل أثناء الاستراحة، فهذا يُساعد على تصفية الذهن،مع أخذ الاستراحة في نفس التوقيت يوميا.
- الموازنة بين الحياة العملية والحياة الشخصية بتخصيصوقت أكبر للعائلة.
- عدم التردد في التوجه نحو مختص نفسي في حالة الشعور بالإنهاك والإرهاق النفسي.
الخلاصة
دراسة الصحة النفسية للأطباء تكتسي أهمية كبيرة نظرا لتأثيرها المباشر على أدائهم المِهني وتقديم تشخيص دقيق للأمراض، وإن اختلفت أرقام الدراسات حول متوسط عمر الأطباء، غير أن جميعها تتفق حول مجموعة من النقاط، وهي أن التكوين الطويل للأطباء وما يصاحبه من ضغوطات خلال الدراسة لسنوات طويلة أولا، ثم العمل تحت ضغط القرارات المصيرية والمشاعر السلبية التي يتلقونها في المستشفيات كل يوم، تجعلهم يفتقدون لنمط حياة صحي ومتوازن خصوصا على المستوى الاجتماعي، وهو ما يؤدي مع مرور الوقت للاكتئاب ومتلازمة الاحتراق النفسي، ما يعني مضاعفة خطر إصابتهم بأمراض القلب والأمراض السرطانية، دون إغفال ظاهرة الانتحار التي يجب التطرق لها بشكل خاص، بتوفير خدمة متابعة طبية نفسية للأطباء وطلبة الطب.
*IMA
المرا جع
- Doctor dies earlier than a normal citizen: IMA study. By Vicky Pathare, Pune Mirror.
- Doctors’ Suicide Rate Highest of Any Profession, By Pauline Anderson. WebMD
- Doctors who kill themselves: a study of the methods used for suicide. By K. HAWTON, A. CLEMENTS, S. SIMKIN, A. MALMBERG. QJM: An International Journal of Medicine, Volume 93, Issue 6, June 2000, Pages 351–357
- When the Doctors Need Doctoring, By Suzanne Koven M.D., published May 1, 2010, Psychology Today Magazine
الاحتراق النفسي.. نار الوظيفة. موقع قناة الجزيرة –